نقف
اليوم في ظلال ذكرى الهجرة النبوية الشريفة وما بها من عظات وعبر ونفحات ايمانية حيث قال
تعالى هو الذى بعث فى الآميين رسولا منهم يتلوا عليهم آيته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمه وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين , فكان العرب قبل الإسلام فى ضلال الشرك
وعبادة الإصنام إلى أن جاء النبى محمد صلى الله عليه وسلم الرحمه المهداه للعالمين
, وُلِدَ الطِّفْلُ وَحِيدًا فَرِيدًا بلا أَبٍ؛ لِتَمُوتَ أُمُّهُ أَيضاً وَهُوَ
فِي السَّادِسةِ مِن عُمُرِهِ، وَلاَحِقًا يَمُوتُ جَدُّهُ الْمُنَافِحُ، ثَمَّ
عَمُّهُ الْمُدَافِعُ، ثم ماتت زوجته خديجة
ولم يعد له شئ يعتمد عليه إلا ربه تعالى فقال جل وعلا أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا
فَآوَى ﴾
ومَا إِن بَلَغَ أَربعِينَ سَنةً حتَّى نَزلَ عَليهِ مَخلُوقٌ
غَريبٌ في مَكانٍ بَعيدٍ، لا يَعرِفُ مَن هُوَ ولا مَاذَا يُرِيدُ، إلاَّ أنَّهُ
سَمِعَ مِنهُ قَولَهُ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ
الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ
وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي
عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ
الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ وخَافَ علَى نَفسِهِ، لكِنَّ زَوجَتَهُ تَعرِفُ
أَخلاَقَهُ وتَعرِفُ أنَّ اللهَ لا يُضيِّعُ مِثلَهُ، فتقول: (وَاللَّهِ مَا
يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ،
وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ
الحَقِّ)، لِيَسْمَعَ مُحَمَّدٌ مِنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الْبِشارَةَ بِأَنَّ
هَذِهِ نَوَامِيسَ النُّبُوَّةِ، وَلِيُشْرِقَ فَجْرٌ جَدِيدٌ، فَجْرُ الإِسْلامِ،
لَكِنَّ وَرَقَةَ قَالَ لَهُ كَلِمَةً كانَ لَهَا وَقْعُهَا الشَّديدُ عَلَى
نَفْسِهِ، لَقَدْ أَخْبَرَهُ بِيَقِينٍ أَنَّ قَوْمَهُ سَيُخرِجُوهُ مِنْ بَلَدِهِ
وسَيُؤذُونَهُ أَذىً شَدِيدًا. تطاول عليه المشركون والسفهاء من سب وآذى وسخرية وتآمروا على قتله
واخراجه من بيته وأهله
وعندما اشتد الأذى بحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- أذن للصحابة، فهاجر
بعضهم إلى المدينة، وتريث النبي إلى أن يؤذن له في الهجرة، ومكث معه أبو بكر فلما علم النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبره جبريل أن القوم
يخططون لقتله، اجتمعوا في برلمانهم، اجتمعوا في دار الندوة لقتل النبي -صلى الله
عليه وسلم-، تشاوروا ماذا نصنع به! الذي فعل! وفعل! وغير! وعدل! وبدل! ماذا نصنع
به؟!قالو بعضهم: نقتله! وقال بعضهم: نقيده بالحديد ونحبسه! ومنهم من قال: بل
ننفيه من مكة!وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ
أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ فأعلمه الله -تعالى- بواسطة جبريل وأخبره ألا يبيت في فراشه تلك
الليلة! وبات علي -رضي الله عنه- في فراش النبي وتأملوا إلى تلك التضحية التي بذلها علي عرض نفسه
للقتل! فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتى إلى غار ثور وهو يريد الهجرة إلى
المدينة -صلوات ربي وسلامه عليه-، ثم دخل الغار ومعه أبو بكر -رضي الله عنه-.
وتأمل معى أخى الحبيب هذا المشهد الذى يدل
على وفاء الصديق لصديقه ويلتف المشركين بابَ الغارِ الذِي كان فيه النبي ، قال
أبو بكر رضي الله عنه: والله يا رسول الله ، لو أنَّ أحدَهم نظر إلى موضعِ قدمَيه
لرآنا، فقال رسول الله : " يَا أبَا بَكر، مَا ظنُّكَ باثنَين اللهُ
ثالثُهما". فأنزَلَ سبحانه مصداقَ ذلك في كتابه : { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ
نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ
لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا
وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .
ثم بعد ذلك استقبله الأنصار ومنعه
الله بهم من أذى الكفرة والمشركين وأسس الدولة الإسلامية ، وما هي إلا أعوام قليلة
حتى فتح الله له مكة فدخلها فاتحاً منصوراً تحيط به جيوش التوحيد وكتائب الإسلام
ثم دانت له عرب الجزيرة وتوطد فيها حكم الإسلام وعُبد الله وحده لا شريك له
الخطبة الثانية
: أول
درس من هجرته النبى ألا وهو الصبر، نتأمل بصبره على الأذية، ثلاثة عشر سنة وهو
يصبر، وأتته جميع أنواع الأذية والسب والشتم وهو صابر
حيث قال الله تعالى إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ
حِسَابٍ
الدرس الثانى أن
المسلم يجب عليه أن يحسن الظن بالله -تعالى-: "أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي
خيرا فله" ظن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالله خيرا فأنجاه الله، وصنع أعظم
دولة عرفها التاريخ صلى الله عليه وسلم، فصبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأظفره
الله الدرس الثالث هو على الإنسان أن يتفاءل في كل
أموره، وأن الهم أو الغم أو الحزن أو الابتلاء والمصيبة يعقبها فرج، فبعد الشدة
أتى الفرج من عند الله -تعالى-: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)
صلى الله عليه وسلم سيدى يا أبا القاسم يا رسول الله
ردحذف