يقول ربُّنا - جل وعلا: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ (الذاريات: 56 – 58).
في هذه الآية الكريمة يُبيِّن الله – تعالى - أنه خلق العباد لعبادته، وقد تكفَّل بأرزاقهم، وسخَّر لهم ما في الأرض ولكن ومع ذلك فالانسان اما شاكرا لنعمه ربه وإما كفورا جاحدا لهذه النعمه ففى قوله تعالى : ما غرك بربك الكريم ) فالمراد الذي خدعك وسول لك الباطل حتى تركت الواجبات وأتيت بالمحرمات والمعنى ما الذي أمنك من عقابه ، يقال : غره بفلان إذا أمنه المحذور من جهته مع أنه غير مأمون ، وهو كقوله : ( ولا يغرنكم بالله الغرور )
فياترى من الذى يقود الإنسان إلى طريق الخير أو الشر ؟؟؟!!!الإنسان في هذه الحياة في صراع وجهاد مع أعداء ثلاثة؛ هم: الهوى، والنفس، والشيطان، ولا بدَّ له مِن الاستعداد لمُجاهَدة كلِّ عدوٍ بما يناسبه من سلاح
والجواب على ذلك سهل ويسر وستجده فى قوله تعالى (قد أفلح من ذكاها وقد خاب من دساها) ألا وهى النفس البشرية بشتى أنواعها والتى سنتحدث عن أنوعها فى يومنا هذا
فاذا تأمل أول نوع من الأنفس البشرية وهو
أولا النفس الأمارة بالسوء :
وهي نفس مذمومة، تأمر بكل سوء، لا يتخلص صاحبها من شرها تميل إلى الشهوات وارتكاب المحرمات وقد أفلح من ذكاها وقد خاب من دساها وأخمد هذه النفس الأمارة بالسوء . فتبدو امرأة العزيز بعد ترويدها ليوسف لا تدعى البراءة ولكن تلقى اللوم على نفسها الأمارة بالسوء فهى لا تأتى إلأ بالشر كله ويكفى ان هذه النفس هى التى ارتكبت اول جريمة على الأرض ألا وهى جريمة القتل فقابيل قد قتل أخاه هابيل ألم تسمع قوله { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
اسمع معى قوله تعالى
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ. فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ
كما جاء فى التفاسير أن قابيل كان يريد الزواج من امرأة شديدة الجمال ولكن هذه المرأة أحبت أخيه هابيل الذى هو أصغر من قابيل فى السن , فما كان من قابيل إلا أنه غار من أخية وازداد غيره منه عندما قدم قربانا من غنم وماشية واكلته النار ولم تأكل قربان أخيه هابيل , فما كان على قابيل إلا أن طوعت له نفسه فقتله .
ثانيا النفس اللوامة : والذى أقسم الله بها فى كتابه { وَلَا
أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ }
قال الحسن البصري: إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائمًا وقال سعيد ابن الجبير هى نفس المؤمن تلومه عن فعل الشر والمعاصى وأما الفاجر فلا تلومه نفسه
ثالثا
:النفس الملهمة :
قال الله تعالى فيها: { وَنَفْسٍ وَمَا
سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا }
والإلهام يكون بالخير والشر ؛ فالنفس التقية
المؤمنة تكون ملهمة بالخير من الله ؛ والنفس الشريرة تكون ملهمة بالفجور والعصيان من
الجن والشياطين . لذلك قال: { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا }.
قال مجاهد: عرفها الشقاء والسعادة .ومثال النفس الملهمة بالخير ؛ نفس عمر بن الخطاب فقد كان ملهماً ومحدثاً من وروى أن عمر رضي الله عنه، بعث سرية فاستعمل عليهم رجلاً يدعى سارية ، قال: فبينا عمر يخطب الناس يوماً قال: فجعل يصيح وهو على المنبر: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، قال فقدم رسول الجيش، فسأله فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمنا، فإذا بصائح يصيح: يا سارية الجبل، فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله. ( أحمد والبيهقي بسند حسن) .
وهذا إلهام من الله سبحانه، وكرامة لعمر رضي الله عنه، وهو المحدث الملهم،
كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .أما الملهمة بالشر ؛ فيكون ذلك عن طريق الجن
والشياطين والسحر والدجل والشعوذة
رابعا: النفس
المطمـئنة :
هى النفس التى عرفت حقيقة ربها حق المعرفة وآمن به وألقت ما فى متاع الدنيا وراء ظهرها هى نفس المؤمن الراضية بقضاء الله فى كل الأحوال والتى تعرف أن ما أصابها من يكن ليخطأها وما أخطاها لم يكن ليصيبها ولذلك قال تعالى فى كتابه { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ }. وقد جاءت هذه الآيه بعد آيتين بينت حقيقة المرء الذى يرضى بحكم ربه والذى لا يرضى بحكم ربه اسمع ماذا قال الل تعالى ( فأما الانسان ..........) تأتى هذه االنفس المطمئنة يوم القيامة ترفعها الملائكة إلى ربها راضية مرضية فيقول فادخلى عبادى وادخلى جنتى وفي الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : " عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ. " ( ابن ماجة والترمذي وحسنه ).
أسأل الله أن يطهر قلوبنا من النفاق؛
وأعمالنا من الرياء؛ وألسنتنا من الكذب ؛ وأنفسنا من الخديعة وأقم الصلاة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق